أيها الشاعرة المبدعة انتصار يوسفبقلم الباحث والكاتب د. محمد ابوقرون السودان
إن قصيدتك "وجوه" تأخذنا في رحلة تأملية عميقة في النفس البشرية وتعقيداتها، مستعرضة الوجوه كرمز متعدد الأبعاد، حيث تنقل بمهارة التناقضات التي يعيشها الإنسان خلف الأقنعة التي يرتديها. تتدرج القصيدة بين الوضوح والغموض، وتسلط الضوء على الزيف والحقيقة التي تختبئ في طيات التظاهر.
ما لفت انتباهي بداية هو استعمالك المتكرر لكلمة "وجوه"، الذي أضفى إيقاعًا خاصًا للنص وجعل الفكرة المركزية تتردد كصدى قوي في ذهن القارئ. هذا التكرار يخلق انسيابية في النص ويعزز الإحساس بالرتابة والتكرار الذي يسيطر على حياة بعض الناس الذين يغيرون وجوههم بحسب الظروف والمواقف.
لكن رغم ذلك، النص يظهر بعض التكرار في الفكرة نفسها دون تعميق كافٍ في بعض المواضع. فعلى سبيل المثال، الجملة "وجوه باهته وجوه لا لون لها" تعكس حالة الفراغ أو الضياع، لكنني شعرت أن تكرار الوصفين دون تقديم تصور أكثر عمقًا عن هذه الحالة قد يجعلها أقل تأثيرًا. كان يمكن تعزيز هذه الصور بمزيد من الاستعارات التي تربط تلك الوجوه بالمشاعر الداخلية أو التفاعلات الاجتماعية.
هناك لحظات رائعة في النص مثل "ليتها لم تخلع القناع ولم ترسل الإشعاع الذي أنار كل الأصقاع"، فهي تعكس مفارقة الإنسان الذي يتمنى ألا يظهر حقيقته، ولكنه في النهاية يضطر لكشفها. هذه المفارقة قوية وتستدعي التفكير في طبيعة الذات وكيفية مواجهة الآخرين. هذه الفكرة كانت تستحق توسعًا أكبر في المعاني لتتناول الصراع الداخلي في الإنسان بين التظاهر والمصارحة.
أما في ختام القصيدة، "لكنها رغم كل شيء هي وجوه بريئة"، فإن هذه الخاتمة تجلب إحساسًا بالصفح والتسليم للواقع الإنساني، مع وجود نوع من التفاؤل بأن تلك الوجوه التي تتلون وتتقنع هي في نهاية المطاف وجوه "راضية". هذا الانعطاف في نهاية النص يضفي بعدًا فلسفيًا إيجابيًا، لكنه يفتح أيضًا الباب للتأمل في مدى هذا الرضا، وهل هو نابع عن قناعة حقيقية أم أنه مجرد تسليم للظروف؟
القصيدة تمتلك جاذبية خاصة في بساطتها من حيث الفكرة، لكنها تطمح لمزيد من التعمق في الرمزيات، وإثراء النص بمفردات وصور أكثر قوة وتأثيرًا، خصوصًا أن الفكرة التي تعالجها تفتح مجالًا واسعًا للتأمل الفلسفي. اللغة المستخدمة أنيقة وملائمة للفكرة، لكن قد يكون من الجميل إدخال تنوع أكبر في الأساليب البلاغية لتعزيز النص وجعل القراءات المتعددة له أكثر إمتاعًا وغنى.
د.محمد آدم أبوقرون
كاتب وناقد
________________________________
وجوه
وتمر بي وجوه وجوه
تتغير حسب الفصول
وتتلون بألف لون ولون
وجوه باهته
وجوه لالون لها
ضاحكه شاحبة
تقابلك بضحكه
وتغرب وهي باكيه
وجوه مختلفة
تتصنع تتلون تتقنع
ترتدي اقنعة
سوداء حينا وملونه
لاتعرف معنى لها
ولا تقرا ملامحها
مسكينة تخال نفسها
مخفيه خلف خيالها
لكنها فعلاااا واضخة
وجوه وجوه
ليتها لم تخلع القناع
ولم ترسل الاشعاع
الذي انار كل الاصقاع
واظهر الحقيقه
التي كانت مخفية
وبانت الوجوه
وساد صمت رهيب
وكان هو الوجه الكئيب
وودع الجميع وقت المغيب
وترك خلفه الف قضيه
سندعها لتبقى مخفيه
ولنمشي بأمان ورويه
من دون عتاب ولا خلفية
لكل ماجرى وما حدث
في تلك الامسية
لكنها رغم كل شيء
هي وجوه بريئه
تظهر بهدوء حقيقة
وتغادر وهي راضية
رغم ماجرى ويجري
ستبقى قانعه راضيه
وجوه وجوه وجوه
بقلمي انتصار يوسف
0 تعليقات