الذكاء الاصطناعي لاهوت Theology أم ناسوت (Humanity/Human Nature)

 

الذكاء الاصطناعي لاهوت Theology   أم ناسوت (Humanity/Human Nature)



بقلم  د منال الشربيني  🇪🇬


بدايةً، لابد من توضيح الفرق بين مصطلحي "بشري" و"لاهوتي" من حيث الدلالة. ففي سياق استيراد المصطلحات دون وعي بجذورها، خاصةً في "العالم الثالث"، وفي ضوء تأليه البعض الآلة، حين تتفوق على البشري، لاهوت أم ناسوت، لابد أن ألقي الضوء على أن مصطلح "لاهوت" يشير تاريخيًا إلى جذور يونانية ("Theos" بمعنى إله و "Logos" بمعنى دراسة أو منطق). وقد ارتبط بشكل أساسي بالدراسة المنهجية للطبيعة الإلهية والمسائل الدينية، خاصة في المسيحية، وتطور لفهم الإيمان والمعتقدات وتنظيمها، مع أهمية خاصة في فهم طبيعة الله وعلاقته بالعالم (Samer Islamboli Website, n.d.). أما مصطلح "ناسوت"، فهو كلمة عربية تشير إلى الطبيعة البشرية أو الإنسانية بكل ما تتضمنه من صفات وخصائص. وفي اللاهوت المسيحي، يشير "الناسوت" إلى الطبيعة البشرية الكاملة ليسوع المسيح بجانب "اللاهوت" لفهم تجسد الإله في إنسان كامل (Ibid.).

هذا لا يتنافى، في رأيي الشخصي جدًا، مع قولُ اللَّهُ تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ، وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مساءتَهُ" (البزار، 15/270).

 ثم يأتي "علم اللغة"، الذي هو الأداة العلمية التي نستخدمها لفهم أصول ومعاني وتطور المصطلحات مثل "لاهوت" و"ناسوت" و"دين" و"فلسفة"، وغيرها، لكي يساعد في تحليل البنية اللغوية لهذه المفاهيم وتحديد دلالاتها المختلفة عبر السياقات الثقافية والتاريخية.

وعليه، يرتكز السؤال المحوري لهذا المقال: " هل نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بصفته أداة تم تغذية ذاكرتها بواسطة بشري، أم أنها أداة ذات مرجعية إلهية، فإن قالت فقد قيل؟!!" إن التعامل مع هذه التقنية في بلادنا يتم كما لو كانت لا تحمل من كل علامات الترقيم في لغات الأرض، كلها،  إلا النقطة، وهنا، أحذر إن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من دقة، يقوم بسرقة ملكيات فكرية وتقديمها لأي شخص بسهولة. مما يدفعني لأن أتساءل عن مدى يقين المستخدمين بدقة هذه التقنية، وما إذا كانوا قد بحثوا في مصادرها أو علموا بالقدر المسموح به للنقل عنها، وعلى أيضًا أن أحذر من الوقوع في ورطة سرقة الملكية الفكرية عند الاعتقاد بالتفوق الناتج عن استخدامها دون جهد. ولكن ماذا عن مدى التشابه بين المفاهيم العلمية والقانونية المتعلقة بالاقتباس والاسْتِلال (Plagiarism) وكيف يتم التقنين للأمر حين يتعلق الأمر بالقيم الرياضية والمعادلات المتفق عليها علميًا؟ وهل من سبيل لتقنين الأمر في المجال الصحفي ما قريب؟!!

 وعليه، لابد لكل صحفي من استكشاف كيفية الاقتباس من مخرجات الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية تضمن تجنب الاستلال، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية مجال الكتابة الصحفية والمعايير المهنية المتعلقة به. 

هذا و يتوجب على الصحفي الإفصاح بوضوح عن استخدام الذكاء الاصطناعي؛ أدواته والغرض منه لتمكين فهم القارئ وتحمل المسؤولية. والاقتباس المباشر باعتدال مع الإشارة الواضحة إلى المصدر، ولكن، بشكل عام، .يجب تقليل الاقتباس المباشر من الذكاء الاصطناعي، وإن كان لابد فاعلاَ، فيفضل إعادة الصياغة؛ إذا كان الاقتباس المباشر ضروريًا (مثل اقتباس جملة ذات صياغة دقيقة، أو تحليل إحصائي محدد)، فيجب وضعه بين علامات اقتباس (" ") والإشارة بوضوح إلى أنه "تم توليده بواسطة [اسم أداة الذكاء الاصطناعي]". كما يجب على الصحفي التحقق البشري الدقيق من مخرجات الذكاء الاصطناعي ومقارنتها بمصادر موثوقة لتجنب نشر معلومات خاطئة، أو وجهات نظر منحازة، أو إرهابية، أو تحمل تهديدات ضمنية ما.

وهنا يأتي دور المؤسسات الصحفية، إذ يقع على عاتقها أمر تطوير سياسات واضحة  في مجال تدريب الصحفيين على استخدام الذكاء الاصطناعي، وتجنب الاستلال. والجدير بالذكر، القول بشكل بات إنه، في الكتابة الصحفية، لا توجد نسبة اقتباس محددة قانونًا، لكن المبادئ الأخلاقية والمهنية تتطلب الاعتدال والضرورة وخدمة هدف واضح مع الإشارة الواضحة للمصدر لتجنب الاستلال، إذ إن الأصل في الكتابة الصحفية الشريفة أن يغلب على العمل الصحفي الأصالة والتحليل.

   تلك دعوة مني لأن نتجنب التعامل مع الآلة، ترجمةً، بحثًا، مصادرَ، مراجعَ، أرقامًا، وإحصاءات، على أنها سيدنا " الخضر" عليه السلام، إذ إنها نتاج مجهود بشري بحت، يحتمل الصواب والخطأ، وأنه إنما يوفر المعلومة وفق ما قالت بها مصادر ما، وجهد جهيد منسوب لأصحابه، ومن باب إرجاع الأمور إلى نصابها، ما استطعت، أقدم مقالي هذا.. 


{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88).}

القرآن الكريم. (د.ت.). سورة هود (11: 88).


المصادر:

Samer Islamboli Website. (n.d.). المسيح بين اللاهوت والناسوت. تم الاسترجاع من https://samerislamboli.com/?p=7754

إرسال تعليق

0 تعليقات