الصمت العقابي عذاب بلا صوت بقلم د مروة الليثي 🇪🇬

 

الصمت العقابي   عذاب بلا صوت




بقلم د مروة الليثي   🇪🇬

الصمت العقابي ليس هدوءًا، بل سلاحًا حادًا يقطع الروح ببطء. هو عقوبة غير معلنة، يختار فيها أحد الأطراف أن يسكت لا لأنه لا يجد ما يقول، بل لأنه يريد أن يوجع بصمته.


يظن من يمارسه أنه ينتصر، بينما في الحقيقة يهدم كل ما تبقى من الثقة، والاحترام، والمشاعر التي تربط بينه وبين الآخر.


في العلاقات الإنسانية، الصمت قد يكون حكمة حين يُستخدم للتفكير، لكنه يتحول إلى قسوة حين يُستخدم للسيطرة أو الإهانة. الصمت العقابي لا يُصلح شيئًا، بل يزرع الخوف، والارتباك، والإحساس بالنبذ. يجعل الطرف الآخر يعيش حالة من القلق الدائم: ماذا فعلت؟ لماذا لم يعد يتحدث؟ هل انتهى كل شيء؟


هي أسئلة لا تجد إجابة، لأن العقاب هنا لا يُقال، بل يُشعَر به.


الأشخاص الذين يستخدمون الصمت كأداة للعقاب في الغالب يسعون للتحكم، يريدون أن يشعر الطرف الآخر بالذنب، أن يركض وراء رضاهم، أن يبرر، أن يعتذر، حتى عن أشياء لم يفعلها.


لكن في الحقيقة، هذا السلوك لا ينتج إلا مسافة أوسع وجدارًا أعلى بين القلوب.


الصمت العقابي يُضعف العلاقة لأنه يُفقدها أهم أساس: التواصل.


في كل مرة يُستخدم فيها هذا النوع من الصمت، يتعلم الطرف الآخر أن الحديث خطر، وأن التعبير عن الذات قد يؤدي إلى هجرٍ أو عقابٍ جديد. وهنا يبدأ الانسحاب الداخلي، يبدأ الفتور، ويذبل كل ما كان جميلًا.


العلاقات الصحية تُبنى على المواجهة الهادئة، على الحوار الصادق، على أن يقول كل طرف ما يؤلمه دون خوف من التجاهل أو الانسحاب. أما الصمت العقابي، فهو شكل من أشكال العنف النفسي، حتى وإن لم يُرفع فيه صوت واحد.


العنف ليس فقط كلمة قاسية أو يد مرفوعة، بل أيضًا تجاهل مقصود يقتل المعنى في العلاقة.


إذا كنت تمارس الصمت العقابي، فتوقف لحظة وفكر: هل هدفك أن تُصلح أم أن تُؤذي؟


وإذا كنت تتعرض له، فتذكر أن الصمت ليس ذنبك، وأنك تستحق علاقة تتحدث فيها القلوب لا تتجمد فيها المشاعر.


الصمت الذي يُبنى على نية الأذى، لا يخلق سلامًا، بل يزرع دمارًا صامتًا.


والعلاقات لا تموت بالصراخ، بل تموت حين يسكت أحدهم ليعاقب، ويسكت الآخر لأنه تعب من المحاولة.

إرسال تعليق

0 تعليقات